كانت وفاء كلما شعرت بالاختناق وسوء الحظ المحيط بها الناتج عن اختلال توازن الحياة تقصد صديقها المقرب، تجري اتصالا هاتفيا على رقمه، تحكي له ما يؤرقها بهدف التخفيف من حدة تأثرها، كان صديقها المقرب يواجهها بالصد أحيانا وهي في بداية كلامها، فيقول :
أنا مالي .. ما شأني بهذا كله ؟؟
تسرع وفاء بإنهاء المكالمة معتذرة، تأخذ زاوية من غرفتها وتبدأ في معاقبة نفسها:
أسمعت ؟؟ قال لك أنا مالي
حقا، هو ماله ؟؟ لماذا تثقلينه بهمومك وتدخلينه دائرة حياتك ؟
تجيب وفاء نفسها:
فعلت هذا لأنه صديقي المقرب، ليس لي سواه بعد الله، أرتاح إليه وبالحديث معه.
تشمت فيها نفسها وتقول :
والآن هل أنت مرتاحة؟؟
ترد وفاء وشلال الدموع ينزل من عينيها:
لا
تقرر أن لا تكرر الفعل ثانية، غير أنها لا تجد متنفسا غير الذي تسميه صديقها المقرب، ترفع سماعة الهاتف باتجاهه مجددا، ينصت إليها هذه المرة ويتركها تنهي حديثها إلى الآخر، ثم يقول:
أنا مالي !!
تجيبه وفاء:
لاشيء، فقط أحكي لك لأنك عزيز علي، أحتاج أحيانا لروح قريبة جدا مني أتحدث إليها وتصغي إلي، آسفة إن أزعجتك وصدقني لم أكن أنو إزعاجك.
يشعر الصديق المقرب بصدق وفاء، يحاول تطييب خاطرها هذه المرة بأن يكون لطيفا نسبيا معها في الحديث، رغم أنه ضمنيا يرفض أن يكون كذلك.
تنتهي المكالمة بينهما، وتجد وفاء نفسها محاصرة من جديد بعقاب نفسها:
ألم أقل لك مرارا اعدلي عن هذا الفعل ولتكن لك كرامة !!
تغرورق عينا وفاء بالدموع وتجيب:
إنه صديقي المقرب وليس أي غريب
تذكرها نفسها:
وما رأيك في عبارة ” أنا مالي ” التي يشهرها دوما في وجهك؟؟
تصمت وفاء طويلا وهي تتمزق من الداخل، ثم تقول:
صحيح، الكل مشغول بنفسه فحسب في هذا الزمن ولا ينصت لسواها، لا أحد صار له متسع للآخر ولا مساحة لاحتضانه.
تابعت وفاء حديثها في ألم وشجن:
أعدك يا نفسي، ستكون غرفتي بدءا من اليوم ملاذي عند كل هم وحزن، وسيكون ربي وجهتي الوحيدة، سأبكي أمامه، وأشكي له وأدعوه أن يمسح دموعي ويغسل أحزاني، فالله لن يقول لي ” أنا مالي”، بل سوف يقول لي ” لبيك أمتي” .
من يومها ارتاح الصديق المقرب من وفاء، وارتاحت هي من وجع عبارة ” أنا مالي”، وما أصعب أن تحيا البشرية بلغة ” أنا مالي “!!!