حرمت كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، وجميع المواثيق الدولية قتل النفس إلا بالحق، واعتبرتها شيئا مقدسا، وحقا في الحياة، وجرمت القاتل، وحكمت عليه بأقصى العقوبات، ومنها سلبه الحياة عند القتل العمد، وبالسجن والغرامات في باقي الحالات، قال الله تعالى في محكم تنزيله ” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”، فالله قد منح الحياة للإنسان، ويأتي المتهورون من البشر ويعتدون على الأبرياء، ويحرمونهم من حقهم في الحياة بدون حق، فلماذا وكيف؟.
في كثير من حالات القتل، والاعتداء على النفس البشرية ينتفي فيها السبب الشرعي، والمبرر القانوني، كما هو الحال في حرب الطرقات من طرف مجرمي حوادث السير، فحوالي تسعين في المائة من تلك الحوادث المميتة، ترجع لمسؤولية الإنسان، بسبب تهور السائق، وغفلة الراجل، وانعدام الضمير، وغياب العقل، وتهاون المراقب، وعدم جدوى طرق الزجر والعقاب، فالحالة خطيرة ومروعة: أرواح تزهق في كل لحظة وحين على الطرقات، وسيارات الإسعاف تولول وتسابق الزمان علها تنقذ بعض ضحايا تلك الحوادث، وتصل في الوقت المناسب إلى أقسام المستعجلات، أما سائقو السيارات والعربات المتهورون فلا زالوا يتنافسون في قتل المزيد من الأبرياء، وصنع العاهات المستدامة، وتشريد الأيتام والأرامل، ونشر الألم في رحم المجمتع، وتحويل أعراسه مأتم.
تكاثرت النداءات، وتعالت الأصوات، وتم تحيين قوانين السير عدة مرات، وتعددت المنابر وحملات التوعية، ومختلف الإجراءات، والجميع يردد لازمة: لا تقتلونا، ولا تقتلوا أنفسكم في الطرقات، ومع ذلك لا زالت عجلات العربات والسيارات والحافلات تهدد حياة المواطنين، ولا زال المتهورون من السائقين يثيرون في المجتمع الرعب والفساد، بقتلهم الأنفس، وصنع العاهات في أجساد ضحاياهم، وصدم الضمير المجتمعي الحي، والاستهتار بقانون السير والجولان، وإرادة الوطن.
ورغم كل المجهودات المبذولة في هذا الاتجاه أو ذاك، من هذه الجهة أو تلك، فقد ازدادت حرب الطرقات ببلادنا دراوة وشراسة، وسقط ضحاياها بين الطرقات والمستشفيات والمقابر، وتكاثرت العاهات والجراح والمآتم، وتجرع الآباء والأبناء والأمهات والأقارب مرارة الحزن والفراق والضياع، في الوقت الذي ضاعف السائقون المتهورون هواية التحدي، ومخالفة قانون السير، وتهديد سلامة أرواح وأجساد عموم المواطنين.
فمن هم أولائك الجناة المجرمون؟:
ترجح الدراسات، وتقارير حوادث السير أن أغلب أولائك من الشباب المتهور، ومن السائقين المهنيين، الذين لا يعيرون لقانون السير اعتبارا، ولا يطبقون بعض بنوده إلا استثناء، بعضهم قد جعل السرعة ضالته، وفي مخالفة القانون هوايته، وفي إرشاء مراقبي المرور مخرجا من ورطته، وفي وكالة التأمين حمايته، وفي ماله حصانته، وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء لم تنفع فيهم حملات التوعية، ولم تمنعهم الغرامات المالية عن التمادي في مخالفة القانون، بل ازدادوا تعنتا وتهورا ما داموا يمتلكون وسائل تعطيل المساطير القانونية، وبالمقابل ازداد الناس خوفا على أنفسهم، وازدادت عجلات السيارات والعربات حصدا لأرواح الأبرياء، وتقارير حوادث السير تكدسا في رفوف المحاكم، وضحايا حرب الطرقات توافدا على أقسام المستعجلات، إنها الحرب المدمرة، فإلى متى يظل مؤشر القتل في تصاعد؟، وضحايا حرب الطرقات في تكاثر؟، أم أن وزارة النقل أصابها العجز و”البلوكاج”؟.
وللخروج من حالة الجمود، وحماية للمواطنين من الاعتداء والقتل، وحفاظا على سلامتهم، وجب إعادة النظر في قوانين منظومة السير والجولان، وتطويرها لمواكبة المستجدات، وحماية المواطنين من السائقين المتهورين، والرفع من مستوى العقوبات الزجرية، واعتبار بعض المخالفات عملا جنائيا، ارتكبه السائق عن قصد، وسابق إصرار، يجب أن يعاقب مرتكبوها بالسجن، وليس فقط بالغرامة المالية، نذكر على سبيل المثال بعض المخالفات التي يجب أن يعاقب مرتكبوها بفصول سلب الحريات، والإيداع في السجن: الإفراط في السرعة، السير في الاتجاه المعاكس، عدم احترام إشارات المرور الضوئية، عدم احترم ممر الراجلين، التجاوز في الأماكن الممنوع فيها التجاوز، عدم توفر السائق على رخصة السياقة، وتعتبر فيها المخالفة المؤدية إلى الموت أو العاهات جريمة، يتم محاكمة مرتكبيها بالقانون الجنائي.
إن أرواح الناس التي أزهقتموها لا تعوض بثمن، والمآسي التي تسببتم في انتشارها بين المجتمع لا حصر لها، ” ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا” صدق الله العظيم، اتعظوا أيها السائقون، فالسياقة مسؤولية، والحفاظ على أرواح الناس أمانة، وانتبهوا أيها الراجلون، ومزيدا من الحذر، وأنتم أيها السائقون المتهورون لا تقتلوا أنفسكم، ولا تقتلونا في الطرقات.
رافقتكم السلامة، وفي العجلة الندامة، وقتل الناس جناية.