أخي في الله من فضلك تأمل معي ولو ساعة
هناك شيء جعل للإنسان ميزة تميزه عن سائر المخلوقات، وترفعه عن مستوى الحيوانات التي تعيش في الأرض، وتصوره فوق الدابة التي تدب عليها وهو القيم.
هاته القيم التي تجعل الإنسان قادرا على التفكير بمعان معينة أو بمنأى عنه في بيئته ومجتمعه، فيصوره بفكرة ثاقبة توصله إلى الصواب أحيانا، وتوقعه في الخطأ أحيانا أخرى.
انطلاقا من ذلك يصبح الإنسان يحيا على ملكة القيم انسانية التي يقع بيده أمر زمامها، فيستغرب هوية شيء ما، ويستخدمه معالجة للمشاكل كلها.
من هذه القيم يوجد العقل الذي به يتوازن ويرجح كل ما خطر ببال الإنسان حسب توسعه في الاطلاع والتفكر، بل بالتعمق في التأمل والتدبر، وعلى حسب ثقافته لاسيما طبيعة البيئة المحيطة به والمجتمع الذي يعيش فيه.
في هذا الصدد، يكون للعقل علاقة بباقي الحواس الخمس، وعلاقة مرتبطة بالشعر الفوري أو حبل الوريد الذي يربط بعضها ببعض، حيث لو صرخ إنسان على سبيل المثال لأخذ العقل الصرخة وصورها في البال بلمح البصر،ولحدد نوعية الصرخة هل كانت لذكر أو أنثى، لصغير أو كبير، لحيوان بعينه أو لما أحاط به ….
لعل ما أثار استغرابي لأول وهلة وأنا أسمع كلمة ” لاشكر على واجب” من أب زميلي عند ذهابنا إلى الدورة العلمية الأسبوعية ب” أبجيبوا لاغوس”، والذي ركبنا معه السيارة إلى أن وصلنا نواحي شارع المؤسسة، حيث أوقفناه بحاتمة المطاف، فنزلنا من السيارة ونحن نقدم له الشكر، التزاما بما طلب منا في الشريعة : ” من صنع إليكم معروفا فكافؤوه، فإن لم تجدوا فقولوا جزاكم الله خيرا “، غير أن أب زميلنا رد أثناء الكلام ” لاشكر على واجب”، فدق قلبي دقا للكلمة، وأعرض عقلي عن التفكير بمعناها ونظم فحواها، وانصرفنا …
لما تخضب النهار أغمضت عيني، ورحت والقلب يتكحل بالسهر عن ما ضم في الكلمة من معنى، والعلة في الدقة. شاء الله سبحانه وتعالى أن انتقلت إلى البلد المسمى ” أرض الأولياء ” ، فلما قضيت فيه أسبوعا وتعودت على طبيعته، إذ انسان ابن بيئته، وبينما أنا مع نفر يتكلم اللغة التي أدرسهاحاليا، ألفيت قلبي يدق دقة جاوزت العادة كلما جالستهم، فإذا بالكلمة أسمعها منهم على الأقل عشر مرات، فتجول في خاطري جولة الحمام وتغشي على القلب غشية الكمام، عجزت عن استنباط معنى يناسبها لقلة علمي وضئيل تطلعي.
بعد القراءات المتكررة وجدت ( بغير تأكيد ) أنه لو قلنا ” لاشكر على واجب” لعارض الأمر العقيدة الإسلامية، ونفى الآيات والأحاديث في السفرين – الكتاب والسنة – لما جاء فيهما من الثواب والوعد بالجنة للصالحين عرفانا وشكرا لفداء أنفسهم لطاعة الله ورسوله، ولما جاء من عقاب للطالحين جراء منعهم وكفرهم بما أمروا به، ولأن الله سبحانه يشكر نفسه وعباده على مذهب أهل التوحيد.
إن الشكر يأتي على أربعة أقسام: شكر القديم لذاته القديم، شكر القديم للحديث، شكر الحديث للقديم وشكر الحديث للحديث. فالقديم هو ربّنا لا غيره ، والحديث هو الإنسان الكائن الحي ولو أن للكلمة أصل لما وجدت الجنة والنار.
ويمكن أن يكون للكلمة معنى خفي على ما أعتقد، حيث أنه لو قالها أحد نفهم براءته من الثناء أو المكافأة على ما تصدق به ورجاءه من الله الثواب، أو يقولها معتبرا أن لأخيه عليه حقّ المساعدة إن استطاع، فهي من مهماته وواجباته على غيره ولعله من باب التواضع والإخلاص في العمل والله أعلم.
ولأننا لم نعثرها من الأحاديث ولم نجد لها أثرا عند الصحابة والتابعين، بينما كلمة “جزاكم الله خيرا” هي الشهيرة عند هؤلاء و كلمة ” آمين “، وقيل أنها تعني في الانجليزية thank you ، إلا أن كل ما يسبب الشبهة في عقيدة الإنسان ينبغي اجتنابه بتاتا ونتقيد بما ضبطه لنا الشرع الإسلامي.
فبينما أنا في ميدان هذا التفكير استحضرت مناظرة جمعتني مع أخ في الله، طرحت فيها عليه هذه الكلمة طالبا رأيه وهو الشاب الضليع الفطن، فضحك حتى بدت نواجذه وقال: هذا ما أنا عليه منذ السنة الغابرة وتحيرت فيه عند ما سمعته، فسألت أستاذي وهو يقيني عند العويص فقال: يا تيجاني سئل الشيخ إبراهيم إنياس رضي الله عنه عن الكلمة فقال: أن الكلمة ينبغي أن تصحح لتناسب الواقع ولو قلنا : لا شكر إلا على الواجب لكان أحسن وأبين من غيرها, فارتوى وارتويت بقوله وأبللت ثم بللت وتعللت عن الوهم مما فيه من مطابقتها للواقع وموافقتها للنصوص الإسلامية، ولئن كانت ” لاشكر على واجب ” بقدّها الأصلي نحكم عليها بالإخلاص في العمل ونخرجها عن الواجب الحقيقي والله أعلم .
أرجو التعليق من العباقرة والجهابذة على ما بدا لهم من هذا الأمر .. شكرا.
أخوكم عبد الرحمان