تسنقيم الحياة الطبيعية الآمنة بوجود رجل وامرأة يعيشان جنبا إلى جنب، في توادد وتراحم وتكامل في الأدوار، كل من منطلق المهام والوظائف التي خصه الله تعالى بها، والتي تتوافق وتركيبته الفيزيولوجية وتتناسب وقدرته على التحمل كي يحقق النجاح في أداء مهمته التي تعود بالخير والنماء والاستقرار والفائدة على البشرية جمعاء.
لم يخلق الرجل والمرأة ليتصارعا ويتحاربا في دواليب الحياة، لم يأتيا إلى الدنيا ليغتر كل جنس بجنسه، قيتباهى الذكر بذكورته وتتطاوس الأنثى بأنوثتها، إنما وجدا ليبرزا دورهما التكاملي كل من زاويته الخاصة، دونما بعثرة في الأدوار المنوطة بهما، وخلق اشتباكات تفضي في نهايتها إلى الصراع وتبادل الاتهامات والتحقير والرغبة في الانتقام.
ما هكذا تورد الإبل، فلو تمسك الرجل بدوره الطبيعي في الحياة ولم يستسلم للايديولوجيات المستوردة التي لا تجدي نفعا بقدر ما تسعى للفتن والتحريض على العداوة والبغضاء لكنا بأفضل حال، ولو صمت المرأة أذانها عن الانصات لما هو دخيل عن ثقافتها الإسلامية العادلة والراقية، واتخذت من أمهات المؤمنين قدوة لها ومثالا تترسم خطاه في الحياة لكنا في هناء وسعادة، غير أن البعد عن جوهر الحقيقة وحب التبعية والتقليد الأعمى للغرب المختلف عنا ثقافة وتنشئة وأسلوبا في نمط العيش، قادنا إلى نهاية مأساوية يجني الجميع ثمار عذابها، حيث لا بيوت باتت مستقرة، ولا نفوس أضحت مكتفية راضية عن واقعها، ولا قلوب سعيدة تنبض فرحا وبهجة وتحتضن الآخر بحب غامر وحنان فطري ودفء يعلن السلام والأمان.
تداخلت الأدوار، وتشابكت الأيادي، وارتفع الصراخ وعلا صوت الأنا، وانحاز المجتمع المتخلف للذكور على حساب الإناث معززا الصراع، صانعا معتقدات زائفة جعلها قانونا لم يكن إلا مجحفا في حق الإثنين معا، وفي حق المرأة أكثر.
فالرجل الذي ميزه الشرع الإسلامي بالقوامة تخلى عنها وأساء استعمالها، وليس المراد بالقوامة الاستقواء واستعراض العضلات على المرأة كما يتجه البعض ومثلما يفهمون، أو كما تذهب عقولهم وتتحدث ألسنتهم، بل القوامة في شدة الرجل وقوته في مواجهة الصعاب وجلب قوت يومه وقوت أسرته مستخدما بنيته الصلبة التي تتأقلم مع الظروف الصعبة، عكس المرأة التي تبقى بنيتها قابلة للانكسار في أي لحظة، هشة، سريعة التأثر بقساوة المحيط الخارجي وصلابته، وإن ادعت القوة والتحدي، فهي داخليا يعلم بحالها الله عز وجل فحسب.
هذا إلى جانب أن كفة العقل ترجح عند الرجل بينما ترجح كفة العاطفة عند المرأة، وليس في الأمر أي انتقاص للمرأة كما يحلو للبعض أن يفعل، بل الطبيعة فرضت ذلك تأسيسا للتكامل البنيوي المنشود بين الرجل والمرأة.
إن ما نعيشه بمجتمعاتنا مؤسف ومقلق في ذات الآن، اعتقادات سنت على مزاج خاص وهوى نرجسي، لم تبن على أساس قويم وإنصاف للطرفين معا، رفعت من قدر الرجل وحطت من قيمة المرأة، في إغفال تام بأن أي ضرر قد يلحق طرفا من طرفي العلاقة – الرجل والمرأة – سيدفع ثمنه الباهظ الاثنان معا، حتى ولو عكس الظاهر أمرا آخر وهو كون الرجل المستفيد والبطل في القضية، إلا أن الأصل أنه متضرر وربما أكثر من المرأة، لأنه يستمد استقراره النفسي والعاطفي والوجداني منها، وسعادته وأمنه مرتبطان جدا بسعادتها وأمانها، فمتى كانت المرأة تعاني وتشعر بالظلم وتتألم اختل توازنها، وأرهقت نفسها، وقصرت في واجبها مكرهة، لأنها سلبت حقها في الكرامة وأضحت مهانة جراء سوء فهم الدين، وكذا بسبب مجتمع جاهل يجتهد في إرضاء الغرور الذكوري وتنصيبه منصب الكل في الكل، ضاربا عرض الحائط مبدأ التكامل الذي يلزم تحقيقه بين الرجل والمرأة على حد سواء.
تفيد الطبيعة البشرية أن الرجل لايستطيع العيش بدون المرأة، فهي جدته وأمه وأخته وزوجته وحبيبته وعمته وخالته ….إلخ، وتفيد الطبيعة البشرية أيضا وبالمقابل أن المرأة لا تستطيع العيش بدون الرجل، فهو جدها وأبوها وأخوها وزوجها وحبيبها وعمها وخالها …إلخ.
كفيل بالمرء أن يتأمل هذا جيدا لينأى بنفسه عن كل الصراعات المفتعلة بين الجنسين، إذ السعادة كل السعادة في إحياء أواصر التآخي والتحاب والتلاحم والتساكن بعيدا عن أي منغصات تسمم العلاقة، والسعادة كل السعادة في تحقيق التكامل لا التساوي الملغوم المنادى به في عصرنا الحالي، لأن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبان مفروضة منذ الأزل في ديننا الإسلامي، وتناولها الشرع بالحديث وحدد قواعدها، وقال عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ” النساء شقائق الرجال في الأحكام”، فلنرتكن إذن لمبدأ التكامل ولا نسود حياتنا بأيدينا ونبكي وننتحب ونحن مصدر الشقاء والعناء.