إن المغاربة وُسِموا بالإهمال ودَفنِهِمْ فُضَلاءَهم في قَبرَيْ تُرابٍ وإخمال.
هكذا تكلم صاحب “مرآة المحاسن” آسفا على جحود مغربي يُشعر الأحياء من الأعلام بالغبن، ويَطوي الأموات منهم طيا، كأنهم لم يوجدوا، ولم يتركوا أثرا طيبا وعلما يُنتفع به، وهي رذيلة حاضرةٌ في الراهن المغربي الذي يُكرّم فيه التافهون والشواذ ويُهمل العلماء الأفذاذ.
واقرأ مقالا مفيدا للدكتور إبراهيم السولامي في كتابه “رأي غير مألوف” يتحدث فيه عن الراحلين أمجد الطرابلسي ومحمد شكري لتقف على نموذج مما ذكرت.
من يذكر العلامة أمجد الطرابلسي؟
من يذكر الشاعر محمدا الخمار الكنوني؟
من يذكر الشاعر محمدا الخباز؟
من يذكر أمثالهم من الذين قدموا ما قدموا لهذا البلد في إخلاص ونبل وابتعاد كامل عن الادّعاء؟
من يذكر هؤلاء سوى قِلّةٍ حفظها الله تعالى من الجحود والتملق والتسلق والبحث عن نصيب من “الغنيمة”…؟؟
من حسن الحظ أن في حياتنا رجالا من أمثال الأديب الأريب العفيف الأستاذ محمد العربي العسري حفظه الله وبارك له في صحته.
لم يتوقف أستاذنا العسري عن تقديم الدرس تلو الدرس في الوفاء للنبلاء، وعن محاولة علاج الجحود الذي تتوارثه أجيال المغاربة، وتعض عليه بالنواجد كأنه كنز من كنوز الدنيا.
وانظر إن شئت في موسوعته “أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث” (ثلاثة أجزاء) لتقرأ عمّن نسيه الناس، وطووا ذكره، وقلبوا له ظهر المِجَنّ.
مناسبةُ هذه التحية الناصرية للفضائل العسرية عملٌ جديد لأستاذنا العسري جمع بين دفتيه ما كُتب عن صديقه الشاعر محمد الخمار الكنوني من مقالات ودراسات، وما أجري معه من حوارات، ونشره بين دفتي كتاب سمّاه “محمد الخمار الكنوني في الذاكرة”.
إنه الكتاب الثاني للشريف العسري عن صديقه بعد كتابه السابق “مع محمد الخمار الكنوني في آثاره الأخرى”، وهو كتاب جمع بين دفتيه كتابات للراحل الخمار مما لم يُنشر بين دفتي ديوانه الفريد “رماد هيسبربس” ومما بقي منشورا – بعد وفاته- على صفحات المجلات والجرائد.
ومن اللافت للانتباه ما كتب تحت عنوان الكتاب:
“ثلاثون عاما على الوفاة
مارس1991- مارس2021
أصداء الرحيل والوفاء”.
بين مارس 1991 ومارس2021 اشتغل أستاذنا العسري بجمع ما كُتب عن صديقه في المجلات والجرائد المختلفة، باذلا في سبيل ذلك وقتا وجهدا ومالا وصحة. لم يكل، ولم يملّ، ولم يفتتن ب”الجديد” و”العابر” عن صديقه القديم الذي طوته الأرض طيا، وأحالته الأيام عظاما هشة.
صبر أستاذنا العزيز طوال هذه السنوات على إنجاز هذا العمل، فكان خيرَ تعبير عن صدق المحبة وعميق الأخوة في زمن صارت “المحبة” و” الأخوة” فيه من الكلمات التي لا تُصدّقها الأفعال في أغلب الحالات.
أي نفس كبيرة هاته التي تحفظ الود والعهد بعد مرور ثلاثة عقود بالتمام والكمال!؟
أستاذي العزيز سيدي محمد العربي العسري
لك مني أصدق التحايا مع خالص المحبة والتقدير.