هن البنات الحاصلات على شهادة الباكلوريا حديثا، ومعلوم أن هذه الشهادة غالبا ما تنتقل بالمتمدرسات من الدراسة بمدنهن الأصلية الى مدن أخرى كبيرة تتوفر فيها الجامعات والمدارس والمعاهد، وغالبا ما يفارق البنات أولياء أمورهن وعائلاتهن للالتحاق بهذه المدارس والمعاهد والكليات، بينما يكتفي بعض الآباء بتسجيل بناتهن بالمتوفر من المؤسسات الخاصة في مدنهم، خوفا على بناتهن وصيانة لمستقبلهن .
تحمل كل بنت في مخيلتها نظرة وتصورا حول الحياة الجديدة المستقبلية، وتتحرك وفق مجموعة من الرغبات والأمنيات والأهداف، التي تصب في الاتجاه الايجابي لدى بعضهن، وفي الاتجاه السلبي لدى البعض الآخر .
بنات ما بعد الباكلوريا وسلبية الأفكار
تبلغ سعادتهن مداها بحصولهن على شهادة الباكلوريا، فتتجه أفكارهن سريعا نحو اقتناء أجمل الفساتين، ووضع أكثر المساحيق اثارة على الوجه، والتفنن في الغواية والاغراء لجذب الطرف الآخر، للصحبة العابرة أو للزواج ان ابتسم الحظ في وجههن، علما أن هناك من الأمهات من ينصحن بناتهن المقبلات على التعليم العالي، بجلب زوج من المدن الاخرى التي سيدرسن بها في حالة ما اذا استعصى عليهن النجاح في دراستهن، أو وجدن صعوبة في المواكبة ومواصلة التحصيل الدراسي، فيجعلن من الموضوع شرطا مشروطا على بناتهن، دون الوعي بخطورة ما قد يصيب البنت وهي تشغل فكرها بهذا الأمر البعيد عن الهدف الرئيسي، الذي يفترض أن لا يخرج عن نطاق التحصيل الدراسي .
تجتهد البنات في تحقيق أماني امهاتهن بعد تعثر مسيرتهن الدراسية تحت ظروف قاهرة، تتطلب مصاريف وتكاليف مادية صعبة، وفي أحيان كثيرة لمجرد تنفيذ ما اتفق عليه سلفا، تنجح في تحقيق ذلك من تنجح، ويستعصي على أكثر من واحدة الحصول على زوج لان الأمر في الاول والأخير رزق من الله، فتعود خائبة لاهي تحمل شهادة عليا ولا زوجا يتكفل بمصاريفها، فتبدأ رحلة العقد ومواجهة الواقع المرير الذي غالبا ما تكون نهايته الضياع وخسران المستقبل البهيج .
بنات ما بعد الباكلوريا والعقلية الايجابية
يركز هذا الصنف من البنات تفكيرهن في الحياة الدراسية المقبلة، ينشغلن بدراسة الخيار الأفضل الذي سيطور مكتسباتهن التعليمية، يبحثن عن رفقة حسنة تشاركهن المسار وان كان الأمر غدا صعب المنال في هذا العصر، لطغيان الجانب النفعي المصلحي وانتصار حب الذات على حب الخير للغير . يضعن أهدافا يرسمن لها مخططا لوصولها، مقتنعات أنهن لن يأخذن الا ما كتب الله لهن، ولن تتكلل مجهوداتهن بالنجاح الا بتوفيق ورضا من الله . يقبلن التضحية، يرفضن الاهتمام بمواضيع سابقة لأوانها، ويتمسكن بالأخلاق والمثل ويجعلنها تاجا يزين رؤوسهن .
فرق كبير بين هذا الصنف وسابقه من بنات ما بعد الباكلوريا، اللواتي نسمع عنهن الكثير، ونشاهد من سلوكاتهن ما يثير ويسيء للحقل التعليمي العالي بصفة عامة .
حياة ما بعد الباكلوريا هي حياة انتقالية من مرحلة في عمر البنات الى مرحلة أخرى تتطلب جدية أكثر، ورعاية أوفر، ومتابعة أشد من طرف أولياء الأمور، وهي حياة لا تتبرع بأزواج للبنات، ولا توزع النجاحات بالمجان .
قال الشاعر أبو الطيب المتنبي :
تَعلَّمْ فَلَيْسَ المرْءُ يُولدُ عالـمًا /// وَلَيْسَ أخو عِلْمٍ كمَنْ هُوَ جاهِلُ
فإنَّ كبيرَ القومِ لا عِلْـمَ عندَه /// صَغيرٌ إذا التفَّتْ عليه الجَـحافِلُ
وإنَّ صَغيرَ القوْمِ إنْ كانَ عالمًا /// كَبيرٌ إذا رُدَّتْ إِلَيْه المَـحـافِلُ.