بين أنصار بنعيسى وأنصار الزبير بأصيلا دعوة للتفكير الهادئ / بقلم : أبو الخير الناصري
ماذا يحدث في مدينة أصيلا؟
بصيغة أوضح: ماذا يحدث بين أبناء أصيلا؟
سباب، وشتم، وتبادل للتهم والتهديدات بين الكثيرين لم يقتصر على المقيمين داخل المدينة، بل شمل عددا من أبنائها خارج الوطن، وكلُّ ذلك مؤطَّر بخلفية الموازنة بين شخصين هما محمد بنعيسى والزبير بنسعدون وتفضيل أحدهما على الآخر.
لا يخفى ما لمثل هذا “النقاش” من أبعاد سياسية بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات وإلى “الحركات التسخينية” التي شهدتها المدينة قُـبَـيْلَ حلول جائحة كورونا، وهي حركاتٌ ظهر في بعض منها أنصار محمد بنعيسى، وظهر في بعض منها الزبير بن سعدون وأنصاره.
ومع أني لستُ من حزب هذا ولا من حزب ذاك، ولستُ منتميا لأي حزب سياسي، فإن شأن المدينة يعنيني لكوني من أبنائها، كما يعنيني شأن الأصيليين لكون المدينة أُمّاً معنوية لنا نشترك جميعا في الانتساب إليها، ومن ثم فما يؤلم مدينتي يؤلمني وما يسعدها يسعدني.ولقد آلمني أن أرى كثيرا من الأصيليين يتبادلون ما أشرت إليه من الشتائم والاتهامات والتهديدات، ورأيت أن أكتب على هامش ذلك كلمات لعلها تُسهم في إخراج عدد منهم إلى أفق التفكير العقلاني الذي نحتاجه جميعا من أجل تأسيس علاقات سليمة بيننا ومن أجل الإسهام في خدمة هذه الأمّ التي نشرف بالانتساب إليها.
ولقد حدثتني نفسي مرارا بالكفّ عن كتابة هذه الكلمات التي قد تُفهم على غير الوجه المراد منها..لكنني آثرت الكتابة نهوضا بمسؤوليتي المعنوية تُجاه مدينتنا وأبنائها (وكل مواطن عليه مسؤوليات تجاه مسقط رأسه وسكان مدينته).
منذ أيام ونحن نتابع “حربا كلامية” بين مجموعتين من أبناء المدينة:
– مجموعة توجه سهام النقد إلى الزبير بن سعدون وأنصاره، متهمةً إياهم بالفساد، ومُفضِّلةً عليهم محمداً بنعيسى وأغلبيته داخل المجلس البلدي.
– ومجموعة تدافع عن الزبير، وتعده مناضلا ضد الفساد الذي تراه مُجسَّداً في بنعيسى ومَن معه.
وأقول بدءاً إن من حق كل فرد أن ينتصر لمن شاء، وأن يفضل من أراد ومن يراه الأقدر والأجدر بتسيير شؤون المدينة؛ فهذا من الحرية الشخصية التي لا حق لأحد في الحجر عليها. ومن هذه الناحية فلا بد أن يختلف الأصيليون، لأن من طبيعة الناس الاختلاف، ومن الحماقة محاولة جمعهم على قلب رجُل واحد.
لكن دعونا نرجع خطوة أو خطوتين إلى الوراء..إلى ما قبل هذا التوتر القائم لنستحضر وقائع نتفق عليها جميعا؛ فلعل في الانطلاق من الأمور المتفَق عليها ما يُفرغ نفوساً من بعض الانفعالات السلبية ويَقودها إلى التفكير الهادئ السليم.
في الانتخابات الجماعية لشهر يونيو 2009 اختير الزبير بن سعدون مرشحا في الدائرة الثانية عشرة ضمن لائحة حزب التجمع الوطني للأحرار. كانت هذه اللائحة يومئذ تضم مرشحين ومرشحات كلهم أنصار لمحمد بنعيسى الذي اعتاد منذ عقود إعداد لائحة مرشحين، وتقديمهم للانتخابات الجماعية، ثم يقود هو حملتهم الانتخابية رغم كونه يتقدم للانتخابات بصفته مرشحا مستقلا عن كل انتماء حزبي، فيدعو السكان للتصويت على اللائحة التي أعدَّها، حتى إذا ما نجح (مُرشَّحوه) اختاروه رئيسا للمجلس الجماعي للمدينة !!
في هذا السياق المُطَّرِد، منذ عقود، قُدِّمَ الزبير بن سعدون (والذين شكلوا معه المعارضة فيما بعد) لخوض الانتخابات، فكان أنْ نجح، وكان أنْ صوَّت بعد نجاحه على محمد بنعيسى رئيسا للمجلس الجماعي لأصيلا. هذا معطى تاريخي واقعي عايشناه جميعا داخل المدينة، ولا يملك أحد أن يختلف عليه. وانطلاقا منه أحب أن أوجه بضعة أسئلة للطرفين اللذين يخوضان “حربا كلامية” يسعى كل طرف فيها لنفي تهمة الفساد عن ساحته وإلصاقها بالجهة المقابلة:
أسئلة لأنصار بنعيسى
إذا اتفقنا على أن الزبير بن سعدون رجل فاسد راكم ثروة كبيرة منذ سنوات استنادا إلى أعمال فاسدة مخالفة للقانون فإن هناك سؤالا محرجا يتبادر إلى أذهان بعض الناس، وهو: هل كان محمد بنعيسى طفلا صغيرا قاصرا، أو رجلا غبيا أو جاهلا بفساد الزبير عندما اختار أن يرشحه ضمن اللائحة التي أعدها وقدمها للانتخابات الجماعية للعام 2009؟ ألا يدفع اختيار بنعيسى لرجل فاسد ليكون من ضمن أغلبيته في المجلس إلى القول إن بنعيسى قد وضع يده في يد الفساد من أجل الوصول إلى رئاسة المجلس؟ أليس بسلوكه ذاك قد أهان سكان المدينة لأنه اختار رجلا فاسدا ليكون ممثلا لفئة منهم داخل المجلس؟ وهل يضع الرجل الصالح يده في يد رجل فاسد ليُعينه على تسيير شؤون المدينة وسكانها؟….
أسئلة لأنصار الزبير
في مقابل ذلك هناك أسئلة توجه إلى الجهة المقابل يمكن صياغتها كالآتي: إذا اتفقنا على أن محمدا بنعيسى رجل فاسد، وأنه دمّر المدينة، وقادها نحو الهلاك على امتداد عقود، فهل كان الزبير طفلا صغيرا قاصرا، أو رجلا غبيا أو جاهلا بفساد بنعيسى عندما قَبِلَ أن يدخل غمار الانتخابات ضمن لائحته؟ لماذا قبل الزبير أن يترشح مع رجل فاسد؟ ولماذا صوَّتَ عليه ليكون رئيسا للمجلس بعد النجاح في الانتخابات؟ ألا يدفع هذا الأمر إلى القول إن الزبير تحالف مع الفساد واختاره لتدبير شؤون المدينة؟ وهل يضع رجل صالح يده في يد رجل فاسد ويتعاون معه على تسيير شؤون المدينة وسكانها؟…
جوابي عن الأسئلة
لعل إخواني وأصدقائي من أنصار الطرفين يرون أنهم عندما يوجهون تهمة الفساد إلى خصومهم فإنها تنقلب إلى جهتهم أيضا؛ وذلك استنادا إلى معطى تاريخي لا يملك أحدٌ تغييره وهو طبيعة العلاقة التي جمعت بين محمد بنعيسى والزبير بن سعدون قبيل انتخابات 2009 وبعدها، إذ كانت العلاقة بين الرجليْن “سَمْناً على عسَل” في تلك المرحلة، ولم يقع الخلاف بينهما إلا فيما بعد، وهو خلاف يبنغي البحث في أسبابه وإدراكها قبل الشروع في تبادل الاتهامات بين أنصار هذا وذاك.
أما الذين ينتظرون جوابي عن مثل هذا السؤال: (أي الرجلين يستحق وصفه بالفساد؟) فمن حقهم عليَّ أن أجيبهم فأقول: لا أصفُ أيا من الرجليْن بالفساد، فهما عندي كباقي البشر يصيبون ويخطئون، فإذا ما رأيت من أحد منهما عملا حسنا استحسنتُه وفرحتُ به، وإذا ما رأيت من أحدهما عملا قبيحا استهجنتُه ورأيته مستحقا للنقد والتقويم.
وهَبْ أني وصفتُ هذا أو ذاك بالفساد، فماذا كسبتُ بهذا القول؟ والأهم من ذلك: ماذا كسبت مدينتي بوصفي واحدا من أبنائها بالفساد؟
وعطفا على هذا أقول: ماذا تكسب والدتُنا أصيلا إذا نحن استمررنا في التراشق بالشتائم التهم والتهديدات؟
إنه لا خير في هذه “الحروب الكلامية”، وإنها منافسة انتخابية و”مصالح دنيوية” تُنالُ بالفهم والذكاء وحسن استمالة الناس وكسْب ودّهمْ ونيْل رضاهم عن البرامج الانتخابية والاختيارات البشرية، وليست حربا أو معركة يُستعَدُّ لها بالسب والقذف والإرهاب.
هدانا الله جميعا للخير وأعاننا عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.