بقلم : أ. د . عبد الرحمن بودرع
أين المَفرُّ وأينَ المُخْتَفَى وقد بَلَغَ السيلُ الزُّبَى ؟
كيفَ التَّصبُّرُ والتّحلُّمُ والنفسُ تَذهبُ حَسَراتٍ على مُسلِمي الصينِ والروهنجا الذينَ يُقطَّعونَ ويُمزَّقونَ شرَّ مُمَزَّقٍ وتُسلخُ جلودُهُم بُكرةً وأصيلاً، في كلِّ يومٍ يُبادُ جمعٌ وفي كل أسبوعٍ جُموعٌ، أملاً في استئصالِهم وقَطعِ نَسلِهِم، هل في العالَم أولو بقيّةٍ من الرُّشدِ والغيرةِ على مَحارمِ الأمّة، ممّن يهتزُّ كيانُه وتقشعرُّ جلودُه لمَشاهدِ مُعسكراتِ الإبادةِ الصينيّة، أين جامعة الدّول العربية المهترئةُ وماذا فَعَلَت، بل ماذا فَعَلَ أعضاؤُها من قبلُ في مثلِ هذه الأحداثِ غيرَ الشَّجبِ والإدانةِ…
مَن سيحمي حمى الملةِ والدّينِ ويَحمي أعراضَ المُسلمينَ المُستضعَفين، مَن سيصرخُ في وجه الصين صرخةَ تَهديدٍ بقطعِ العلاقات، ومُقاطعة البضاعات، هلْ يُنتظرُ أن تتحرك جامعةُ الدول العربية، المُهترئة، فإن لم تتحرَّك فَعَلى مَن المُعوَّلُ. بلْ مَن ينتفضُ اليومَ إنكاراً واحتجاجاً غير الأعاجم، هل المُسلمونَ العَجَمُ هم الذين يَعنيهم أمرُ الإسلامِ دون غيرِهم من العَرَب، هلْ تنتظرُ جامعةُ دول العرب إشارةَ الكبارِ حتى تأتي من وراءِ البحار.
ولكن كيفَ للجامعة العربية أن تكونَ ذاتَ ضغطٍ وبأسٍ شَديدٍ ومُعظمُ أعضائها متورِّطٌ في التطبيع المَشؤوم، بل مُعظمُ الأعضاءِ أعداءٌ لأنفسِهم يستعين بَعضُهم على بعضٍ بعدوِّه كما فعلَ ملوكُ الطوائفِ في الأندلس.
كيفَ يُحرّمُونَ الكلامَ وكأنّهم يقولونَ ما قالَه مَعروف الرصافي: يا قومِ لا تتكلموا إن الكلام محرمُ، ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النُّوَّمُ، ودَعوا التفهُّمَ جانبا فالخير أن لا تفهموا، أما السياسة فاترُكوا أبدا وإلا تَنْدَموا، إنّ السياسةَ سرُّها لو تعلمون مطلسمُ، وإذا أفضتُم في المُباح من الحديث فجمجموا، ومَن شاء منكم أن يعيشَ اليوم وهو مُكرمُ فليُمْسِ لا سَمْعٌ ولا بَصرٌ لديه ولا فمُ، فلا يستحقُّ كَرامةً إلا الأصمُّ الأبكمُ، وإذا ظُلِمْتُم فاضْحَكوا طرباً ولا تتظلموا، وإذا أُهِنْتُم فاشكروا وإذا لُطِمْتُم فابْسَموا، إن قيلَ هذا شَهْدُكم مُرٌّ فقولوا عَلقمُ، أو قيلَ إنّ نَهارَكم ليلٌ فقولوا مُظلمُ، أو قيل إن ثَمادَكُم سيلٌ فقولوا مُطعمُ، أو قيل إن بلادكم يا قومِ سوفَ تُقَسَّمُ، فَتَحَمَّدوا وتَشَكَّروا وتَرَنَّحوا وتَرَنَّموا.
هكذا قال معروف الرصافي، والمُخاطَبونَ بشعرِه ما زالوا مَعنيينَ ولم ينقطعوا. أمّا اليومَ فقَد بَلغَ السيلُ الزُّبَى والحِزامُ الطًّبيينِ، فلَمْ يَبقَ فيه مُستَصْلَح، ولا للصنيعة عنده موضعٌ.