ما الذي خطف فرحة العيد من القلوب ؟ من وراء الفتور العاطفي والبرود الذي صار يطبع المناسبات السعيدة حتى افتقدت طعمها اللذيذ ؟ هل ما يعيشه الناس اليوم شظايا أعياد سبق وعاشها غيرهم فتركوا لهم بقايا استذكارها كلما حل موعدها ؟
الجميع يتساءل، ولا أحد يملك جوابا شافيا للظاهرة، في الوقت الذي يجمع الكل على أن طعم الأعياد والمناسبات فعلا فسد وأصبح بلا مذاق.
قد يرد بعض الناس الأسباب إلى الرتابة التي أصبحت تطبع الحياة الراهنة، وقد يعده البعض نتيجة طبيعية لتشعب المشاكل وتسلسلها وتعقدها حتى بات العوام لايعرفون من أين المخرج.ربما هذه التقديرات لها جوانب من الصحة، لكن حتما هناك أمور أخرى لا يجب تغافلها، تتعلق بالأساس بسلوكات الناس وهبوط مستوى تصرفاتهم الذي انعكس بالسوء على استقامة العلاقات الإجتماعية ونجاح العلاقات الإنسانية حين نسجها.
لايمكن للفرحة أن تطرق القلوب وأناس يبكون ويعانون، وآخرون ينعمون برغد العيش ويفتقدون الإحساس ويعيشون بلا ضمير، لايمكن للفرحة أن ترفرف في سماء الدنيا وبين الناس من يئن وينصت لوحده لآلامه دون رحمة واعتناء من أحد، لايمكن للفرحة أن تنشر خيوطها وتبث نورها والأنانية تزاحمها وتعلن عليها حربا ضروسا، لايمكن للفرحة أن تقول كلمتها في الوجود وهي تحاصر بالقمع والصد بسبب آهات وندبات وجروح تسكن الأعماق.
ليعيش الإنسان الفرحة لابد أن يكون إنسانا أولا، ينعم بإنسانيته وكرامته وسط من حوله، يعبر عن ذاته بوسائل مشروعة يسمعها الغير ويتلقاها بصدر رحب ويتفاعل معها بحب، فالفرحة لفظ يدل على الانشراح والبهجة والسرور، والعيد مناسبة سانحة لبعثها ونشرها، وإن كان الناس حاليا يفتقرون لمعاني الفرح والشعور بالغبطة لتصادمها مع أحداث ووقائع محزنة ومؤثرة يستعصي تجاهلها.
فرحة العيد غابت بحق، غيبتها الأنا والظلم والذل والمهانة واللامبالاة بالآخر وباحتياجاته المختلفة، حتى صارت عارضا عابرا يمر دون أن ينتشي به الجميع او يسعد بلقائه بعد طول انتظار. ربما تفوق السابقون علينا في اغتنام فرص الفرح والاحتفال، بأن كانوا متمسكين ببعضهم، بتقاسمون الحلو والمر بينهم، ويعيشون لبعضهم البعض دون ازدراء أو تعال، بينما نحن ركزنا على الجانب النفعي المصلحي وبعنا كل شيء، فحرمنا كل شيء، بما في ذلك فرحة العيد التي كان يعيشها الناس بالأمس في حب ووئام واهتمام كبير.