استراحة محارب أم انكسار كاتب حالم؟
قد يظن البعض بأن التسيب الثقافي رهين بحقل واحد وهو حقل “توزيع الكتاب” في المغرب وأن النموذج المبين في الحلقة الفارطة محصور في فاعل واحد دون باقي الفاعلين الآخرين في حقل تداول الكتاب. والحقيقة، أن المسألة عامة ولا توفر أحدا. فحين يصبح المال طرفا في المعادلة، فيصبح بإمكانك ككاتب الحصول على مرجوعات كتبك ولكن دون الحق في مستحقاتك المالية، حسب “منطق الموزع المغربي”، كما يصبح بإمكانك ككاتب التوصل ب”نسخ من كتابك المنشور” ولكن دون الحق في مستحقاتك المالية، حسب منطق الناشر المغربي. ويمكن الاستدلال على ذلك بدور النشر المغربية كما بالوزارة الوصية على الثقافة في البلاد حين تلعب دور الناشر أو دور داعم النشر. وفي هذه الشكاية المؤرخة بتاريخ 25 يوليوز 2016، تفصيل المفصل:
”’إلى السيد المحترم وزير الثقافة المغربي
الموضوع: حول عدم توصلي بمستحقاتي المالية المترتبة عن نشر وزارة الثقافة المغربية لكتابي قبل ثلاث سنوات (2014)
المرجع: العقد المبرم بيني وبين وزارتكم سنة 2012
تحية طيبة،
أما بعد،
فيؤسفني إخباركم، السيد الوزير المحترم، بعدم توصلي بمستحقاتي المالية طبقا لعقد النشر المبرم بيني كمؤلف لكتاب “حاء الحرية” (خمسون قصة قصيرة جدا) وبين وزارتكم كناشر قبل خمس سنوات (سنة 2012) والقاضي بنشر عملي السالف ذكره والذي تمت طباعته بمطبعة المناهل ونشر ضمن منشورات وزارة الثقافة المغربية وتوزيعه دوليا سنة 2014.
كما يؤسفني إشعاركم بأنني اتصلت بمطبعة المناهل وبمديرية الكتاب بوزارتكم الموقرة تعقبا لحقيقة هذا التأخير غير المفهوم وغير الواضح لكن دون جدوى. فمطبعة المناهل التي تكفلت بطباعة الكتاب والتي كانت الجهة التي تؤدي المستحقات المالية للمؤلفين سابقا تبرأت من كل علاقة تربطها بوزارة الثقافة، ومديرية الكتاب بالوزارة بمشلفن بالعاصمة الرباط تتذرع بضعف الميزانية…
وسط هذه الدوامة، ارتأيت مراسلتكم مباشرة. فأنا، كمثقف، أثمن دعم وزارتكم الموقرة للأنشطة الثقافية “الصاخبة” ولكن ليس على حساب الانشطة الثقافية “الصامتة” ولا على حساب أداء ما بذمة الوزارة من ديون مالية للفاعلين”الصامتين” من حملة القلم بالبلاد.
وفي انتظار حل هذا المشكل العالق الذي يطوق فوجا بأكمله من الكتاب، كطرف أول، ممن تلتزم الوزارة، كطرف ثان، قانونيا بنشر أعمالهم ورقيا لقاء صرف مستحقاتهم المالية؛ تقبلوا، السيد الوزير المحترم، تحياتي واحترامي”’.
حرر بتاريخ 25 يوليوز 2016 .
إن الكاتب المغربي، فضلا عن كونه صاحب العمل الأصلي، فهو شريك في ملكية الحقوق والعائدات المالية بعد عملية النشر بأنواعه، الورقي والإلكتروني والصوتي والسمعي-البصري. وهذا وحده يعطي الكاتب الحق في “راتب شهري” لمدة زمنية تحدد في عقد يوقعه الطرفان، الكاتب والناشر، كما هي تقاليد النشر في مجتمعات الثقافة الحقة. وحده التسيب جعل الكاتب “فريسة” في يد ناشرين يأخذون عمله، أحيانا إلى الأبد، لقاء “نسخ” معدودة ترسل لهم عبر البريد أو القطار ضمن سياسة “هاكْ، ذُوقْ!”
فإذا كان لا بد من إعادة تأهيل للعمل الثقافي في البلاد، فلا بد كذلك من إعادة تأهيل حقل النشر ذاته. فالكتابة والنشر لا ينفصلان. لا بد من “إعادة تأهيل الناشر”: مهنيا، قيميا، ماليا، علائقيا… فالناشر ليس فقط “طابعا” للمخطوطات و”مخرجا” لها إلى المكتبات والأكشاك. فلا بد للناشر من “خط” سياسي أو فلسفي أو أدبي يعرف هو به وتعرف به منتوجاته. ولا بد للناشر من “لجنة قراءة” ثابتة وذات مصداقية تتكون من أكاديميين ونقاد ومبدعين في تخصصات النشر.
إن إعادة تأهيل حقل النشر ستكسب العمل الثقافي في المغرب السند القوي الذي يفتقر إليه بحيث يصبح الناشر موجة ثقافيا، فلسفة ثقافية، مدرسة ثقافية يعرف بها كتابها وتؤول بها عناوين إصداراتها. بل، في حالة توفر دار النشر على المصداقية لدى الكتاب، فبإمكان هذه الدور أن تلعب دور الأبناك المالية في أساط المثقفين والكتاب بحيث يستثمرون فيها ويشترون الأسهم ويدخرون أموالهم فيها كما تفعل كبريات دور النشر كدار نشر “كاليمار” الفرنسية التي كان الكاتب الفرنسي جون جونيه يودع بها أمواله ويقصدها للسحب، حيثما كان في هذا العالم، كما يفعل باقي الناس مع باقي الوكالات البنكية التجارية.
وعلى سبيل الختم، فالناشر ليس “فاعلا آليا” يطبع ورقيا ما توصل به من مخطوطات. فللناشر أيضا أنشطته الموازية التي تدعم عمله وتعززه كإقامة حفلات التوقيع، وتشجيع القراءات النقدية لكتاب الصادر، والترويج للعمل المنشور، وإقامة المعارض محليا وجهويا ووطنيا لتقريب إصداراته من جمهور القراء، والمشاركة في الجوائز الأدبية وطنيا وعربيا ودوليا، والمشاركة في إعداد الكتاب المدرسي، إرسال المستكشفين للأنشطة الثقافية، وقنص المواهب الأدبية، والانفتاح على الجامعات، والتنشئة الأدبية، والانفتاح على الإعلام المكتوب والسمعي والسمعي-البصري، والتوفر على دورية ثقافية واسعة الانتشار، وطلب الدعم من الوزارة… لكن واقع الحال في المغرب هو أن الناشر المغربي، حتى حين تحضر حسن النية، يفتقر بشكل ظاهر لقوة “المخيلة التسويقية” للكتاب كما يفتقر بشكل فاضح للقيم النبيلة التي تنبني عليها كل التعاقدات الهادفة “للربح المتبادل”: الربح “المادي” و الربح “الرمزي”.