ما قيمة الحياة إن لم ينعم فيها الإنسان بالكرامة والعيش الهانىء ؟ أي حياة هي للمرء بدون سكن لائق وبدون عمل يضمن قوت اليوم، وبدون مصاريف لمتابعة التعليم والدراسة، وبدون تكاليف التنقل وتحمل تبعات المأكل والمشرب في ظل العائلة وفي بعد عنها ؟
لقد اختزلت قصة حياة – البنت التطوانية التي قتلت مؤخرا – كل هاته المآسي، ولخصت ما يعانيه أغلب الناس شيبا وشبابا مع واقع حياتهم الكئيب، الذي صار يخيم عليه السواد ويطبعه اليأس، بعد انتظار طويل لإشراقة يوم تنسي حلكة الظلام، وتستشرف طلوع نهار يشع فيه نور الشمس الساطع منبئا بتغير الأحوال وانفراجها.
مثل جل المحبطين، قررت ” حياة ” الهجرة غير المشروعة بحثا عن موطن آخر وأرض أخرى تستقبل أحلامها، وتمشي بها على بساط أحمر نهايته أمل وفرح وتحقيق أمنيات، ركبت قوارب الموت بعدما استوى هذا الموت مع الحياة في عينيها من شدة البؤس والفقر والحاجة، ضربت بعرض الحائط النسبة المائوية الغالبة في عدم الوصول، وتمسكت بالحظ الضئيل الذي تبقى، كما تمسك به البعض قبلها فنجحت معهم الرحلة الشاقة، ونجوا من موت محقق بأعجوبة.
تمنت ” حياة ” أن يبتسم لها الحظ في العبور، وتكتب لها حياة جديدة بديار الغربة، تنطلق فيها من الصفر تستجلب أرقاما أخرى بجواره تنقلها من حياة العدم إلى حياة الوجود والحضور.
لم تكن ” حياة ” تتخيل أن رصاصة ستغتال كل هاته الأحلام، وستعجل برحيلها نحو دار البقاء، لم تكن تشاء الهجرة الأبدية إلى هناك، بقدر ما كانت تطمح إلى هجرة دنيوية مؤقتة تبني فيها مستقبلها، وتنتشل بها أسرتها من البؤس والشقاء، وهي تعوضهم عن كل مافات من حرمان واحتياج.
كانت رسالة الرصاصة أن من سلك نفس طريق ” حياة ” ورفقائها في البحر بصيغة غير قانونية سيلقى نفس المصير، إن نجا من الغرق والتهام الحيتان والأسماك لجثته لن ينجو من قبضة أمنيين يحرسون البحر ويسهرون على مراقبته، وكانت رسائل ” حياة ” ومن هم على شاكلتها أقوى بكثير، تشعر المعنيين بأن الحياة بحضن الوطن لم تعد تلك الحياة بعدما فقدت بوصلتها، وأن القدرة على التحمل فاقت كل الحدود، وقد نفذ صبر الجميع، وحان الوقت لإصلاح الأوضاع واتخاذ التدابير المطلوبة مأخذ الجد، إنقاذا لما زال في حاجة للإنقاذ، ودرءا لأي مخاطر قد تترتب عن سوء الأوضاع وترديها .
وصلت رسالة الرصاصة، فهل وصلت رسائل حياة وغيرها ؟
حياة ” حياة ” انتهت، وحياة اليائيسين مستمرة مالم تفتح أبواب الأمل في وجوههم بهدف انتشالهم من واقع مرير يقود في نهايته إلى طريق مسدود.
رحم الله تعالى ” حياة ” وعوض أهلها بالخير، ورزق الصابرين المحتسبين حياة تليق بإنسانيتهم، وتحفظ كرامتهم، وتنسيهم همومهم وآلامهم.