بروح متأججة، كأنما تريد أن تطفر من صدره، نادى كل أفراد أسرته بصوت راعد مرتعش، وبقايا الزبد تسيل من زاويتي فمه. فتسللوا إليه واحدا تلو الآخر يتثاءبون، وكأنهم تلاميذ مذنبون ينتظرون العقوبة. سألهم بأعين جاحظة:
ـ شلت يد من ترك نور الحمام مشتعلا إلى الصباح، فمن فعلها منكم؟.
ولما رنا إليه كبيرهم بصوت خافت، وكأنه ينتحب:
ـ أنا يا أبي، وقد نسيته.
ولول ثلاث مرات. لطم صدره بكفيه المعقودتين، على طريقة الشمبانزي. ثم اندفع يوبخه، ويلقنه هو وباقي الحاضرين، درسا ثمينا في التقشف، ويعلن بأعصاب مشدودة، وصوت تضاعفت حدة زئيره، بأن لا أحد يرحمه، رغم أنه من محدودي الدخل، ومثقل بالديون من أجلهم، وووو… وفي لحظة سريعة أحس الجميع بتوقف الزمن. فبينما روحه جن لهاثها علوا وهبوطا، أخذ صراخه يتراجع تدريجيا، وتهالك يئن مثل أسد مجروح على الكرسي، مشلول الأيدي والأرجل واللسان.