تمثل العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم خير أيامه، حيث أخفى الله عز وجل فيها ليلة مباركة أنزل فيها القرآن على نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليلة عظيمة مشهودة ،تفتح فيها أبواب السماء ،وتستجاب فيها الدعوات ،وتتنزل فيها الملائكة، ويقدر فيها ما سيكون في السنة من أرزاق ومن أحياء وأموات، لقوله سبحانه وتعالى في سورة القدر: ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ “.
فإذا كان جمهور العلماء والفقهاء اتفقوا على أن ليلة القدر توافق ليلة السابع والعشرين من رمضان، فإن هناك من اختلف معهم في الرأي وقال بأنها تظل مجهولة وغير محددة في هذه الليلة بالضبط من ليالي رمضان، ببنما قد تكون في ليلة وترية أخرى بدءا من ليلة الواحد والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو السابع والعشرين أو التاسع والعشرين، وكلها ليالي رمضانية وترية قد تشهد عظمة ليلة القدر، وما على الناس إلا تحري الليلة المباركة فيها، كي ينعموا بخيرها وبركتها وهم يقومونها ايمانا واحتسابا لرب العالمين، طامعين في أن يغفر لهم ما تقدم وما تأخر من ذنوبهم.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال :” تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان”.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان الفضيل، شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله للعبادة والصلاة والدعاء، غير أن ما ينتشر بين الناس في عصرنا الحالي من دجل وشعوذة وبدع وضلال ليدعو إلى الحزن والأسف، وبدل من أن يتقربوا إلى الله عز وجل بالإخلاص في العبادة يشركون به، ويمارسون طقوس عجيبة وغريبة لا تليق مطلقا بقدسية الشهر المعظم، ولا بمكانته السامية أو بالليلة المباركة التي هي ليلة القدر.
كما أن مما يؤسف له في أواخر رمضان هو خلو المساجد من المصلين إلا من أعداد قليلة محسوبة على رؤوس الأصابع، في الوقت الذي تكتظ فيه بيوت الله ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث الاعتقاد السائد أنها ليلة القدر، فيأتي الناس من كل صوب وحدب ليشهدوها ثم ينفضوا ما بعدها، وكأن ما بينهم وبين الخالق سبحانه وتعالى ليلة اسمها ليلة القدر، إذا حلت حلوا وإذا رحلت رحلوا وأداروا ظهورهم عن العبادة الحقة وعن الخشوع والوقوف بين يدي الله تعالى في خنوع وانكسار.
تبدأ المساجد في فراغها من المصلين حين يتم ختم القرآن الكريم، وغالبا ما يتم ذلك في ليلة السابع والعشرين من رمضان كما سبق الذكر، فيهجر الناس بيوت الله ورمضان لم ينته بعد، فتتسارع الأيام القليلة المتبقية لتعلن رحيل شهر التوبة والغفران، وكأنها في غضب مما رأت من الناس.
يرحل رمضان وترحل معه الكثير من صور الخير والإحسان التي طبعته، يعود الناس إلى أحوالهم العادية، ينشغلون بأمور الحياة الدنيا، قليل منهم المنتبهون وكثير هم الغافلون، بينهم من كتب له حضور رمضان القادم وبينهم من قضى آخر رمضان في حياته، فرمضان إن رحل له عودة، أما الناس فكلهم عنه راحلون بآجال وتواريخ مختلفة ومتفرقة، وإذ الله جل جلاله نسأل: ” اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا “.