أثرت التكنولوجيا الحديثة على تراثنا الأصيل وعلى عاداتنا وتقاليدنا الشعبية المتوارثة، فاختفى ” الطبال” و ” الغياط” و” النفار” من الساحة الرمضانية، وندر حضورهم إلا فيما قل من الأحياء الشعبية جدا، ليستبدل بتقنيات التطور التكنولوجي المعاصر من هواتف نقالة وأنترنيت وغيره في مجموع الأحياء الأخرى.
كانت الوسيلة المعتمدة لدى الناس سابقا للايقاظ للسحور في رمضان المعظم هو ” المسحراتي” أو ” الطبال”، رجل يحمل طبله ويطوف الشوارع والطرقات والأحياء، يضرب بقوة ليستفيق النائمون لتناول السحور، وإذا تعذر على أسرة ما الانتباه لمروره، أوصوه بطرق بابهم وهو يمر فكان يفعل، وكثيرا ما كانت تنسج علاقات إنسانية رائعة بين الناس وبين هذا العابر الخدوم، حيث كانت بعض الأسر تدخر له ما لذ وطاب من طعام تسلمه له أثناء المرور، درءا لفوات وقت السحور عنه، أو إكراما له وعربون محبة وتقدير لخدمته النبيلة التي تيسر استيقاظهم ونيل أجر المتسحرين. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” السُّحُورُ أَكْلَةٌ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ ” رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
في الواجهة الأخرى كانت تسمع أصوات تزمير قادمة من بعيد يحملها سكون الليل ورياحه، كانت تعود لفنانين في العزف يجسدهما ” الغياط” و ” النفار” اللذان كان بدورهما يؤديان خدمة لا تقل نبلا عما يقوم به صديقهما ” الطبال”.
كان لرمضان بحضور هؤلاء الثلاثة طعم متفرد ومتميز، بل كانوا بحضورهم يزيدونه خصوصية وهم يؤكدون أنه ليس كباقي شهور السنة، فتعظم فرحة الناس بتواجدهم، ويخلدون للنوم في راحة لسويعات بعد يوم شاق من الصيام مرهق بالعمل وأداء الواجبات، في انتظار استيقاظهم على تطبيلهم وتزميرهم لتناول وجبة السحور، استعدادا ليوم جديد من الصيام.
لقد ساهم عامل التكنولوجيا الحديثة بما شمله من تحولات إجتماعية، في غياب الثلاثة عن ساحة رمضان، وصار الناس يضطرون للسهر طول الليل إلى حين موعد السحور مخافة أن يفوتهم، يدردشون بمواقع التواصل الإجتماعي على الشبكة العنكبوتية، أو يتابعون ما ينشر من أخبار وقضايا وبرامج تتماشى وأذواقهم بالمواقع والصفحات الإلكترونية، بينما سلم المرهقون منهم مفاتيح الايقاظ لمنبهات هواتفهم، التي قد تنجح في أداء المهمة وقد تخذلهم، ليقابلوا يوم صيامهم الجديد بدون سحور.