في قمة الألم تذكرته، كانت تطرق بابه كلما اشتد بها الكرب، يستقبلها بصدر رحب وينصت لآهاتها، يسديها نصائحه الصادقة، يوصيها بالابتعاد عن كل ما ينغص سعادتها ويشجعها على تقديم ما تسمح به طاقتها الاستيعابية في اطار المشروع.
غاب لظروف خاصة، ظلت الأبواب موصدة من بعد غيابه، كان عليها أن تواجه قسوة الأيام والشهور لوحدها، في عز شعورها بالضعف حضرت الى خيالها صورته، فكرت في اللجوء اليه، مشت بخطى متثاقلة نحوه غير أنها تراجعت في الأخير، همست لنفسها :
– انه مشغول، لا أريد أن أكون مصدر ازعاج له .
كتمت أحاسيسها الحزينة بداخلها وعادت الى مكانها تتأمل تصرفات البشر وتحولات سلوكياتهم من الجيد الى الرديء، تداوي حالها برفع الشكوى الى الخالق وتحاول تناسي الأحداث ثم تمضي .
تتوالى عليها الضربات، تتذكره من جديد، تمنعها عزة نفسها واحترام قرار الابتعاد والانشغال بالمسؤوليات، تعتزل الناس والأمكنة منفردة بأفكارها، ينفذ صبرها وتتحول من كائن وديع الى آخر شرس، تصرخ في وجه الحياة، تتوعد من يؤذيها وقد تنفث السموم التي تجرعتها بالغصب في ذات كل من يتجرأ عليها انتقاما ودفاعا عن النفس .
طال الانتظار ..
وأخيرا جاءها سائلا :
– كيف حالك ؟
امتزجت مشاعر الشوق بمشاعر الفرح والشجن لديها، وبنبرة حزينة ردت :
– بخير ..
دقق النظر في وجهها محاولا قراءة ملامحها، رفعت عينيها اليه، استشف عذاباتها، أرسلت نظراته علامات استفهام متناسلة في بحث عن جواب يلخص كل تلك المعاناة، أدركت ما يريد الوصول اليه، لم تتمالك نفسها فأجهشت بالبكاء ….
أشفق لحالها وقال:
– لاحول ولا قوة الا بالله، الأبواب الموصدة مفتوحة حاليا في وجهك، فلتبتسمي ولتبوحي بمكنوناتك ..