كلما احتضنت مدينة القصر الكبير مهرجانا أو نشاطا إشعاعيا لافتا للأنظار، ومحققا نسبا مهمة من النجاح، إلا وبدأ التراشق بالحجارة، وانهالت الإهانات والسخرية على القيمين عليه، وتوالت الاتهامات، وفسح المجال لإطلاق الإشاعات، بغية إحباط الجهود المبذولة، والتقليل من شأنها والحط من قيمتها، والحكم عليها بالفشل.
من المؤكد أن مهرجان القصر الكبير الدولي للمسرح، المنظم بتاريخ 24 مارس2015 بالمدينة في نسخته الثانية، والذي يمتد الى غاية 31 منه، يعد قفزة نوعية لانفتاح المدينة على دول من خارج التراب المغربي، بعدما اكتفت النسخة الأولى للمهرجان بالتركيز على الفرق المسرحية المحلية والوطنية، التي حملت الطابع المغربي المحض دون غيره. قدوم الفرقة المسرحية من الشقيقة الجزائر، والأخرى القادمة من إحدى دول البلطيق لتوانيا، إلى جانب قدوم فرق مسرحية من مدن مغربنا الحبيب، هو خطوة إيجابية تحسب للمدينة، هذه المدينة التي تظل مجهولة عند الكثيرين، تعيش على الهامش من دون أن يأخذ بيدها أحد لتخرج إلى النور وتعرف بنفسها، بتراثها وحضارتها، بثقافتها وتاريخها الضارب في العراقة.
أن تنجح في جلب فرق مختلفة لخشبة مسرح دار الثقافة بالقصر الكبير، وأن تستقطب وجوها لأول مرة تطأ أقدامها أرض المدينة، وربما لأول مرة تسمع باسم مدينة مغربية تحمل هذا الاسم، لاشك وراءه جهد كبير وتضحيات أكبر، إذ ليس من السهل إقناع كل هؤلاء للحضور وتقديم أعمالهم وهم لم يسبق لهم التعرف على المدينة، وعلى فضاءاتها ومسرحها، وكل ما يخصها ويعنيها من قريب أو من بعيد.
إن جعل مدينة القصر الكبير تتنفس هواء ساما ملوثا على أيدي من هم محسوبون عليها بالمولد أو الإقامة أو الانتماء، شيء مؤسف للغاية، خصوصا وأن المدينة لم تنل حظها كما يجب، رغم أنها تستحق، لكونها أول حاضرة مغربية، وأقدم مدن المغرب، ولها من المؤهلات المفتقر إليها لدى غيرها من المدن التي نالت شهرة واسعة، ولقيت الاهتمام المبالغ فيه على حسابها وحساب مثيلاتها من المدن المغمورة المهمشة .
فرجاء دعوا القصر الكبير تتنفس هواء جيدا نقيا يا أبناءها، اتركوها تعبر فيه عن نفسها، تلقي بما تزخر به من مميزات وتراث وثقافة وفن، لا تخنقوها وتجهضوا أجنتها في بطنها، امنحوها الفرصة، شجعوا من يخدمونها على مزيد من العطاء، قدموا لهم الدعم بأشكاله المختلفة، فنجاح المدينة دليل على اتحادكم وتلاحمكم، ونهوضها وتفتحها رهين بنهضتكم ورقيكم، لا تؤثروا الهدم على البناء، إنها مدينتكم ولا يطعنها في المقتل إلا جاحد أوقليل أصل.