تعتبر زيارة القبور سنة أمر بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وفعلها، ففي حديث رواه مسلم، قال صلوات الله عليه وسلامه: ” كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا”، وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيقول : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ ، غَدًا مُؤَجَّلُونَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ) رواه مسلم.
جرت العادة أن يقصد الناس المقابر صبيحة كل يوم جمعة، ليترحموا على أهلهم ويهدونهم ما تيسر من كتاب الله عز وجل، ومن دعاء ينفعهم في داء البقاء، وصدقة تدفع عنهم بلاء الآخرة، وسكان مدينة القصر الكبير لا يمثلون الإستثناء في هذه القاعدة، حيث يقصدون مقبرة مولاي علي بوغالب لنفس الغرض، غير أن واقع هذه المقبرة مؤسف جدا، وأوضاع موتى المسلمين بها لا تسر عدوا ولا حبيبا، بل تزيد ألما وحسرة ولوعة، زيادة على لوعة وألم الفراق الذي يكون له وقع خاص في النفوس.
تتسبب الأوضاع المزرية للمقبرة، في وقوع الناس في مشاداة كلامية فيما بينهم أثناء عمليات العبور بين القبور، فأغلب الزائرين يفقدون أعصابهم وينهارون أمام ما يقفون عليه من واقع غير مريح، يؤثر سلبا على حسن أداء واجب الزيارة، والترحم على الموتى بشكل حضاري، تراعى فيه الآداب العامة والأحكام الشرعية التي نص عليها الشرع الحكيم.
ترفل المقبرة بقبور وضعت بشكل عشوائي، وأخرى بنيت بصورة فوضاوية، حيث لا وجود لممرات فاصلة بين هذه القبور وتلك، ولو بفارق بسيط، فالإكتظاظ كبير، ولعل الأمر طبيعي جدا إذا علمنا أن هذه المقبرة ظلت تستقبل الجثامين على مدار السنين الطويلة المتعاقبة، وهي المقبرة الوحيدة المفتوحة في وجه ساكنة القصر الكبير لحد الساعة، في انتظار أن تخرج الأخرى الحديثة للوجود، والتي تقع بالجهة الشمالية للمدينة .
تملأ الأزبال مقبرة مولاي علي بوغالب، رغم محاولات بعض الشباب المنخرطين في الأعمال الجمعوية و التطوعية في الحد من الظاهرة، ويقصدها المتسكعون والحشاشون والسكارى والمجانين، يتبولون ويتغوطون على القبور، ويشعلون النار في الأجواء الباردة ليدفئوا أجسادهم، يتسامرون فوق رؤوس الموتى، يتلفظون بكلمات خادشة للحياء دون اكتراث للطابع الخاص الذي يميز المكان، ودون احترام لحرمة الموتى الراقدين، حتى المواشي تتنقل بكامل حريتها فوق القبور، والكلاب تتجول كما يحلو لها بعدما اتخذت من المكان ملجأ آمنا لها، في غياب لحراس يداومون على حفظ فضاء المقبرة الفسيح، و يسهرون على حماية حرمة الموتى من الإنتهاك.
الداخل لمقبرة مولاي علي بوغالب يصطدم بالخارج منها أثناء الزيارة، والكل في صراع من أجل تفادي وضع أقدامه على القبور، يعبر بصعوبة يتمايل جهة اليمين وجهة الشمال، ليجد نفسه رغم كل الحذر، ورغم كل الاحتياطات المتخذة، واقفا دون وعي على قبر ميت، يدوس عليه بقدميه، ليعلو الصراخ في الأخير بنبرة حادة تقول :
حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم أيها المسؤولون، أنتم سبب هذه المعاناة، بتقصيركم اتجاه الأحياء والأموات على حد سواء.
ينهي الزائرون زيارتهم متوتري الأعصاب، يقرر بعضهم عدم الرجوع والإكتفاء بالترحم على موتاهم من بعيد، من حيث يقيمون بمنازلهم، ويصر آخرون على تكرار الأمر وتحمل الصعوبات، مع تجديد الإستنكار وعبارات الإستياء وإلقاء اللوم والعتاب على من يهمهم أمر تدبير البلاد.
إلى متى يستمر حال مقبرة مولاي علي بوغالب بهذا السوء والإنتهاك ؟ أليس للموتى حرمات يلزم صيانتها من كل عبث ؟